اليمن

يشهد النظام القانوني في اليمن تحسّناً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، غير أنّ تنفيذ القرارات القضائية ما زال دون المعايير الدولية. ومن هنا برزت الحاجة إلى بدائل لحل النزاعات تواكب متطلبات التجارة المحلية والدولية. إذ يعمل حالياً مركزان للتحكيم في اليمن، يقدمان لرجال الأعمال طريقاً بديلاً عن المحاكم، بما يخلق مناخاً جاذباً للاستثمار، حيث يشكّل التحكيم ركيزة أساسية لضمان اليقين القانوني في مرحلة ما زال فيها النظام القضائي في طور التطوير.
يستند قانون التحكيم في اليمن إلى الشريعة الإسلامية. ويخضع التحكيم في اليمن حاليًا للقانون رقم 22 لسنة 1992، بصيغته المعدلة عام 1997 ("قانون التحكيم")، الذي ينظم التحكيم الوطني والدولي في مجال المعاملات التجارية. ويوفر هذا القانون للأطراف قاعدة قانونية تضمن أقصى قدر من المرونة في قانون الإجراءات، مع الالتزام بالمعايير الدولية للتحكيم.
يُعرَّف التحكيم بأنه إجراء لتسوية المنازعات، حيث يتفق الأطراف على تعيين طرف ثالث أو أكثر للتحكيم في النزاعات أو الخلافات التي قد تنشأ بينهم، دون اللجوء إلى المحكمة المختصة. ويجب احترام قرار الأطراف واختيارهم لهذه الطريقة لتسوية المنازعات. وقد أُنشئ أول مركز يمني للتوفيق والتحكيم في صنعاء عام ١٩٩٧ خصيصًا لتلبية احتياجات التحكيم التجاري والخاص.
تنص المادة (5) من قانون التحكيم اليمني أنه لا يجوز التحكيم فيما يلي: (أ) الحدود واللعان وفسخ عقود النكاح؛ (ب) رد القضاة ومخاصمتهم؛ (ج) المنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ جبرا؛ (د) سائر المسائل التي لايجوز فيها الصلح؛ (هـ) كل ما يتعلق بالنظام العام.
وتنص المادة (19) من القانون أنه "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم أن تحيل الخصوم إلى التحكيم ماعدا في الحالات الآتية: (أ) إذا تبين للمحكمة أن اتفاق التحكيم باطل أو لاغ أو لا يشمل النزاع المطروح أمامها؛ أو (ب) إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر اتفاق التحكيم كأن لم يكن.
تُشارك المحاكم في اليمن في تحديد اختصاص هيئة التحكيم. ووفقًا للمادة 24 من قانون التحكيم اليمني "يقدم طلب رد المحكم إلى المحكمة المختصة في ميعاد أسبوع واحد من يوم اخطار طالب الرد بتعيين المحكم او من يوم علمه بالظروف المبررة للرد وتقوم المحكمة المختصة بالفصل في الطلب خلال أسبوع واحد على وجه الاستعجال فإذا رفضت المحكمة الطلب جاز لطالب الرد الطعن في قرارها أمام المحكمة الأعلى درجه خلال أسبوعين من تاريخ استلام القرار كما أنه يجوز تقديم طلب الرد إلى لجنة التحكيم ذاتها وتطبق نفس الإجراءات المذكورة في هذه المادة.
يُعتبر مبدأ (اختصاص-الاختصاص) أن هيئة التحكيم تقرر ما إذا كانت تستطيع النظر في القضية أم لا، دون تدخل محكمة، مُعترف به في اليمن، ووفقًا للمادة (28): "تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها بما فيها الدفع المقدم بعدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله موضوع النزاع وإذا فصلت لجنة التحكيم في الدفع برفضه جاز الطعن في هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف خلال الأسبوع التالي لإخطار الطاعن بالحكم."
فيما يتعلق بأمر التدابير المؤقتة، تنص المادة (30) من قانون التحكيم على أنه "يجوز للجنة التحكيم أن تأمر أيا من الطرفين بتقديم أي ضمانات تراها ضرورية ومناسبة لإجراء مؤقت أو تحفظي وبناء على طلب الطرف الآخر وفي حالة الامتناع عن تقديم الضمان المطلوب فانه يجوز للجنة أن تأذن للطرف الآخر في القيام بتنفيذ الأمر وعلى نفقة الطرف الممتنع عن التنفيذ".
فيما يتعلق بمساعدة المحاكم المحلية، تنص المادة (43) من قانون التحكيم على أنه "يجوز للجنة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة للحصول على أدلة وكذا طلب اتخاذ ما تراه ملائما من الإجراءات التحفظية أو المؤقتة كما يجوز لها أن تطلب من المحكمة المختصة الحكم في المواضيع المتعلقة بالنزاع والتي تخرج عن صلاحياتها دون أن يعني ذلك توقف إجراءات التحكيم."
يشترط قانون التحكيم تسجيل أحكام التحكيم لدى المحكمة المختصة كآلية رقابية، ، حيث توضح المادة (50) أن "على لجنة التحكيم إيداع أصل الحكم والقرارات التي يصدرها في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة خلال الثلاثين يوما التالية لإصدار الحكم ويحرر كاتب المحكمة محضرا بهذا الإيداع ويحق لأطراف التحكيم الحصول على نسخ منه".
فيما يخص الطعن في حكم التحكيم, تعتمد صحة أحكام التحكيم على أسباب رفض الاعتراف بها وتنفيذها، الواردة في المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك، مع إضافة شرط مخالفة الشريعة الإسلامية. ووفقًا للمادة (53) من قانون التحكيم اليمني، لا يجوز طلب إبطال الحكم إلا في الحالات التالية: (أ) إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلا وفقا للقانون؛ (ب) إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية؛ (ج) إذا كانت الإجراءات غير صحيحة (د) إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها؛ (هـ) إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم؛ (و) إذا لم يكن حكم التحكيم مسببا؛ (ز) إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام وفيما عدا هذه الأحوال والأحوال المبينة في هذا القانون فان أحكام التحكيم التي تصدر وفقا لهذا القانون لايجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
يجوز لمحكمة الاستئناف أن تحكم ببطلان حكم التحكيم حتى ولو لم يطلب منها ذلك في الاحوال التالية: (أ) إذا صدر الحكم في مسألة لا تقبل التحكيم؛ (ب) إذا تضمن الحكم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام. وبالتالي، يجب أن تتوافق جميع قرارات التحكيم في نهاية المطاف مع أحكام الشريعة الإسلامية.
تجدر الإشارة إلى أنه وفقًا للمادة (57) "تُصبح الأحكام نهائية وواجبة النفاذ بعد انقضاء مدة الاستئناف إذا لم يُقدَّم طلب إبطال أو إذا قُدِّم هذا الطلب ورفضته المحكمة".
يشترط للحصول على إذن تنفيذ أحكام التحكيم توافر الشروط التالية، كما هو منصوص عليه في المادة (60)، " لا يجب الأمر بتنفيذ حكم المحكمين إلا بعد التحقق مما يأتي: (أ) أن يكون الحكم نهائياً وقابلاً للتنفيذ؛ (ب) لا يتعارض مع حكم نهائي نهائي سبق صدوره من المحاكم؛ (ج) صدر وفقاً لأحكام هذا القانون".
لا يجوز بدء التحكيم إلا باتفاق كتابي مسبق من الطرفين، سواءً كانا أفرادًا أو شركات أو قبائل. ولا يجوز للقضاة التحكيم في القضايا المعروضة عليهم، حتى لو طلب الأطراف ذلك.
وبناءً على هذه التعديلات لعام ١٩٩٧، يمكن الاستنتاج أن أحكام الشريعة الإسلامية في اليمن تُعتبر المرجع القانوني النهائي لجميع عمليات التحكيم. ولا يحق للمحكمة مراجعة قرار التحكيم إلا عند تقديم أحد الطرفين استئنافًا رسميًا، وللأسباب المنصوص عليها في قانون التحكيم (المواد ٥٣-٥٥).
لا تُعد اليمن من ضمن الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك، ومن المؤكد أن تحديث نظام التحكيم أمر ضروري؛ وتُعدّ اتفاقية نيويورك الأداة المعاصرة للتعامل مع نظام التحكيم الدولي، من حيث الاعتراف باتفاقات التحكيم وقرارات التحكيم الدولية وتنفيذها. علاوة على ذلك، فإن وجود تشريعات تحكيم مناسبة تلبي احتياجات الأطراف التجارية يُحدث آثارًا إيجابية على الاقتصاد الوطني للدول. في اليمن، بسبب بعض التدخلات القبلية والسياسية، لا يتم تنفيذ قرارات التحكيم بسلاسة.