الكويت
لقد غدا التحكيم اليوم ركيزة أساسية في عالم المعاملات التجارية، محلية كانت أم دولية. فهو السبيل إلى حل النزاعات بسرعة وبحكمٍ نزيه، مما يفتح أبواب الثقة ويعزز دعائم الاستقرار في العلاقات الاقتصادية.
انضمت الكويت في 28 أبريل 1978 إلى اتفاقية نيويورك؛ موضحة أن "دولة الكويت ستُطبّق هذه الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة فقط في أراضي الدول المتعاقدة الأخرى. ومن المفهوم أن انضمام دولة الكويت إلى اتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، المبرمة في نيويورك، في 10 يونيو 1958، لا يعني بأي حال من الأحوال الاعتراف بإسرائيل أو الدخول معها في علاقات تخضع للاتفاقية التي انضمت إليها دولة الكويت".
لا يوجد في الكويت قانون تحكيم شامل يستند إلى قانون الأونسيترال النموذجي. وبدلاً من ذلك، ترد أحكام تنظم التحكيم في قوانين مختلفة, مثل: الشريعة الإسلامية، والقانون الدولي، واللوائح المؤسسية.
يُنظّم التحكيم في الكويت بموجب قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980 (الفصل 12، المواد من 173 إلى 188) ("قانون المرافعات")، وقانون التحكيم القضائي في المواد المدنية والتجارية رقم 11 لسنة 1995، بصيغته المعدلة بالقانون رقم 12 لسنة 2013 ("قانون التحكيم القضائي")، ولا يستند أيٌّ منهما إلى قانون الأونسيترال النموذجي.
توضح المادة (173) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980 (الفصل 12) أنه "يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين، كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين. ولا يثبت التحكيم إلا بالكتابة. ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ، ولا يصح التحكيم إلا ممن له اهلية التصرف في الحق محل النزاع. ويجب ان يحدد موضوع النزاع في الاتفاق على التحكيم او اثناء المرافعة ولو كان المحكم مفوضا بالصلح ، والا كان التحكيم باطلا. ولا تختص المحاكم بنظر المنازعات التي اتفق على التحكيم في شأنها ويجوز النزول عن الدفع بعدم الاختصاص صراحة أو ضمنا. ولا يشمل التحكيم المسائل المستعجلة ما لم يتفق صراحة على خلاف ذلك."
في الكويت، تُفرض مسؤولية المحكمين على من ينسحب من التحكيم بعد قبوله الفصل فيه. ووفقًا للمادة (178) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980، «إذا ينسحب المحكم دون سبب جدي من أداء عمله بعد قبوله التحكيم، جاز الحكم عليه بتعويض».
من ناحية أخرى، فإن التدخل المكثف للمحاكم الوطنية في مجال التحكيم لا يخدم مصالح المستثمرين. فوفقًا للمادة (185) من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980، " لا يكون حكم المحكم قابلا للتنفيذ إلا بأمر يصدره رئيس المحكمة التي أودع الحكم ادارة كتابها بناء على طلب أحد ذوي الشأن ، وذلك بعد الإطلاع على الحكم و على اتفاق التحكيم وبعد التثبت من انتفاء موانع تنفيذه، وانقضاء ميعاد الإستئناف اذا كان الحكم قابلا له وغير مشمول بالنفاذ المعجل، ويوضع امر التنفيذ بذيل أصل الحكم."
وفقاً للمادة 186 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980، "لا يجوز استئناف حكم المحكم إلا إذا اتفق الخصوم على خلاف ذلك قبل صدوره. ويُرفع الاستئناف بعد ذلك إلى المحكمة الكلية بهيئة استئنافية. ويخضع للقواعد المقررة لاستئناف الأحكام الصادرة بأثر رجعي من تاريخ إيداع الحكم الأصلي لدى إدارة الكتاب وفقاً للمادة (184). ومع ذلك، لا يكون الحكم قابلا للاستئناف إلا إذا كان المحكم مفوضاً بالصلح والتصالح، أو كان محكمًا في الاستئناف، أو كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز 500 دينار كويتي، أو صدر الحكم من الهيئة المنصوص عليها في المادة (177)."
إذا أصدرت المحكمة في الكويت حكمًا بإلغاء قرار المحكمين، فعليها إعادة النظر في موضوع النزاع والفصل فيه بناءً على ذلك. ويعني هذا في جوهره تدخلًا في اختصاص المحكمة وانتهاكًا لاستقلالية الأطراف في تسوية نزاعهم عن طريق التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات.
يُعد قانون التحكيم القضائي لعام ١٩٩٥ (المُعدَّل عام ٢٠١٣ بالقانون رقم ١٢) أداةً أخرى تُنظِّم التحكيم في الكويت. وقد حلَّ هذا القانون محلَّ المادة (١٧٧) من قانون المرافعات، التي نصَّت على أن تُشكِل وزارة العدل الكويتية هيئة تحكيم واحدة أو أكثر برئاسة قاضٍ وعضوية اثنين من الحرفيين. وينص قانون التحكيم القضائي على التحكيم "المختلط"، حيث تتكوَّن هيئة التحكيم من قضاة تُعينهم الدولة ومُحكِّمين يُعيِنهم الأطراف. وتختص هيئة التحكيم بالفصل في المنازعات التي تشمل جهات حكومية.
تنص المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 43 لسنة 1995 بشأن التحكيم القضائي على أنه "تُشكل بمحكمة الاستئناف هيئة تحكيم أو أكثر، تتكون كل منها من ثلاثة من رجال القضاء يختارهم المجلس الأعلى للقضاء، واثنين من المحكمين المقيدين في جداول دائرة التحكيم أو من غيرهم. ويختار كل طرف من أطراف التحكيم أحدهم ، إن كانوا عدة. ويرأس الهيئة أقدم رجال القضاء، بشرط أن يكون قاضيًا (مستشارًا). ويتولى أمانة الهيئة أحد موظفي دائرة التحكيم. وتعقد الهيئة جلساتها بمحكمة الاستئناف أو في أي مكان آخر يحدده رئيسها".
لا يجوز انتخاب إلا المحكمين المسجلين في الجدول لإجراء التحكيم. تنص المادة (5) من القرار الوزاري رقم 43 لسنة 1995 بشأن التحكيم القضائي على أن "يختار كل من طرفي التحكيم محكمه من بين المحكمين المسجلين في الجداول، والمُعدين والمتوفرين لدى إدارة التحكيم أو من أي جهة أخرى، وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ طلب إدارة التحكيم ذلك. وفي حال عدم تعيين أحد الطرفين لمحكم، تعين الإدارة المذكورة محكمًا جاء دوره وفقًا لجدول المحكمين المحترفين المتخصصين في موضوع المنازعات، لعضوية هيئة التحكيم".
لا توجد هيئة تحكيم مؤسسية في الكويت تُلبّي احتياجات الأطراف الأجنبية لإجراء التحكيم بكفاءة وشفافية. وقد سعت غرفة تجارة وصناعة الكويت (KCCI) إلى دعم التحكيم من خلال إنشاء مركز الكويت للتحكيم التجاري (KCAC) عام ١٩٩٩، بهدف تعزيز التحكيم في حل النزاعات التجارية. وتنص قواعد مركز الكويت للتحكيم التجاري على تطبيق قواعد الأونسيترال للتحكيم في حال عدم وجود أحكام تتعلق بمسألة محددة في قواعد مركز الكويت للتحكيم التجاري أو قانون المرافعات (المادة ٧ من قواعد مركز الكويت للتحكيم التجاري).
من أهداف "رؤية الكويت 2035" تهيئة بيئة أعمال جاذبة، تشترط بلا شك سنّ إطار قانوني مناسب ومفهوم. لذا، على الحكومة الكويتية اتخاذ تدابير استباقية لتعزيز آليات فعّالة لتسوية المنازعات، بما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب في الكويت ويحافظ على فعالية عملية التحكيم.
كما أن دولة الكويت طرف في العديد من الاتفاقيات الإقليمية الأخرى ذات الصلة بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، بما في ذلك: اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لعام 1983، التي تنص على الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها دون مراجعة موضوع النزاع الأساسي، واتفاقية جامعة الدول العربية بشأن تنفيذ الأحكام لعام 1952 التي تتناول تنفيذ الأحكام وجوائز التحكيم في جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية التي صادقت على الاتفاقية، وكذلك اتفاقية عمان للتحكيم التجاري لعام 1987 - وهي اتفاقية إقليمية مفتوحة العضوية لجميع الدول العربية.
إن خلاصة ما يراه كثير من المعلقين على قوانين التحكيم في الكويت، أنّ قانون التحكيم القضائي يظل مثقلاً بنصوص وُصفت بغير الودّية تجاه التحكيم، إذ لا يفرّق بين التحكيم الداخلي والدولي. ولم تعُد الآلية الحالية تجيب تطلعات المتعاقدين/ المستثمرين الدوليين، مما يفرض على الكويت أن تتحرك بخطوات جادة لتعزيز آليات تسوية النزاعات بفاعلية، وصون القيم الأساسية للممارسات الحديثة، لتظل وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كما أن بعض المسائل التجارية لا تخضع للتحكيم بموجب القانون الكويتي، بما في ذلك نزاعات الإفلاس، ونزاعات العلامات التجارية، ومسائل التمثيل التجاري.

