لبنان

تُعد لبنان إحدى الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك، مع تحفظ مفاده أن "حكومة لبنان ستطبق الاتفاقية، على أساس المعاملة بالمثل، أى الاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة فقط في أراضي دولة متعاقدة أخرى". كما صادق لبنان، من بين اتفاقيات أخرى، على اتفاقية واشنطن في 26 مارس2003.
المؤسسة التحكيمية الموجودة في لبنان هي مركز التحكيم اللبناني التابع لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان والذي تأسس عام 1995، ولديه قواعده الخاصة للتوفيق والتحكيم.
صدر قانون التحكيم عام ١٩٨٣، وهو مُدرج في قانون أصول المحاكمات المدنية كفصل مستقل، وتستند أحكامه إلى قانون التحكيم الفرنسي القديم (المرسومان رقم ٨٠-٣٥٤ الصادر في ١٤ مايو ١٩٨٠ ورقم ٨١-٥٠٠ الصادر في ١٢ مايو ١٩٨١). ويُقرّ التشريع اللبناني للتحكيم بجميع مبادئ التحكيم الدولي الراسخة.
تنص المادة (762) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني (“CCP”) على أنه " يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد التجاري أو المدني المبرم بينهم بندا ينص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن صحة هذا العقد أو تفسيره أو تنفيذه". إلا أن هناك بعض الاستثناءات لهذه المادة، إذ تخضع بعض النزاعات للاختصاص الحصري لمحاكم الدولة. وتشمل هذه الاستثناءات:
مسائل الأحوال الشخصية، والوضع الاجتماعي، والأهلية. بيد أن المادة ١٠٣٧ من قانون الالتزامات والعقود تُجيز استثناءً فيما يتعلق بالتعويض المالي الناتج عن منازعات الأحوال الشخصية، والذي يُعرض للتحكيم. في هذه الحالة، يقتصر التحكيم على التعويض المطلوب.
الحقوق الشخصية غير القابلة للتفاوض، كالحق في الكرامة الإنسانية، والسلامة الجسدية، والخصوصية. مع ذلك، فإن أي نزاع يتعلق بالتعويض المالي المرتبط بهذه الحقوق الشخصية يكون قابلاً للتحكيم.
حقوق الميراث.
الأمور المتعلقة بالنظام العام، وتشمل كل ما يعتبره القانون ضمانًا للمصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مسائل الإعسار (المادة ٤٩٠ من قانون التجارة).
مسائل عقود العمل والضمان الاجتماعي.
عقود التمثيل التجاري (المادة ٥ من المرسوم بقانون رقم ٣٤ بتاريخ ٥ أغسطس ١٩٦٧؛ قرار محكمة النقض بتاريخ ١٧ يوليو ١٩٩٧).
لا يشترط لصحة اتفاق التحكيم الدولي سوى موافقة الطرفين؛ حيث تنص المادة (814) من قانون أصول المحاكمات المدنية على أن الصيغة الكتابية لاتفاق التحكيم كافية لتنفيذ الحكم. وتُقر المادة (785) من القانون صراحةً بمبدأ (اختصاص الاختصاص)، وبالتالي، يجب رفض أي طلب يُقدم إلى المحاكم اللبنانية للفصل في مسألة تتعلق بصلاحية هيئة التحكيم واختصاصها.
فيما يتعلق بالتحكيمات الدولية التي تُعقد في لبنان، تنص المادة (812) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على أنه في حال خضوع التحكيم الدولي للقانون اللبناني، تُطبق أحكام التحكيم الداخلي، ما لم يُتفق على خلاف ذلك.
لا يخضع قرار المحكمة الذي يقضي بالاعتراف أو تنفيذ حكم محلي أو دولي صادر في لبنان لأي طريقة من طرق الطعن (المادتان 805 و819 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني). إلا أن قرار المحكمة الذي يقضي برفض الاعتراف أو تنفيذ حكم محلي أو أجنبي أو دولي صادر في لبنان يكون قابلاً للاستئناف (المادتان 806 و816 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني).
من المتطلبات المهمة للعقود الإدارية، خاصة العقود المبرمة مع الدولة اللبنانية أو مع جهات حكومية أخرى؛ أنه يجوز للدولة أو الجهات الحكومية في العقود الإدارية المحلية إبرام اتفاق تحكيم بعد الحصول على ترخيص مسبق من مجلس الوزراء بناءً على توصية من الوزير المختص أو الجهة التنظيمية المختصة. أما في العقود الإدارية الدولية، فبينما لا ينص القانون على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من مجلس الوزراء، يُنصح بالحصول على هذا الترخيص فيما يتعلق بشروط التحكيم المدرجة في هذه الاتفاقيات.
تُعتبر المحاكم المحلية في لبنان مُلِمّة بإجراءات التحكيم بوجه عام، ويجوز لرئيس المحكمة الابتدائية أن يتولى دور القاضي المُساند للتحكيم عند الاقتضاء. ويشمل هذا الدعم تعيين مُحكّمين في حال عدم تعيين الأطراف لمُحكّم، أو في حال عدم قيام مؤسسة التحكيم المعنية بتعيينه. كما ينصّ التشريع اللبناني على الاستعانة بالمحاكم في حال عدم وجود قواعد مؤسسية مُتفق عليها تتضمن آلية افتراضية لتشكيل هيئة تحكيم، أو آلية منصوص عليها في بند التحكيم نفسه.
تعتمد المحكمة المختصة بمنح أمر التنفيذ على طبيعة النزاع. في القضايا المدنية والتجارية، تُرفع طلبات أمر التنفيذ أمام رئيس المحكمة الابتدائية، إما في مكان صدور الحكم إذا كان الحكم محليًا في لبنان، أو في بيروت إذا كان الحكم صادرًا خارجه. أما في القضايا الإدارية، فيُرفع طلب أمر التنفيذ أمام رئيس مجلس شورى الدولة (المواد 770، 775، 793، 795، و810 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني).
يجب أن يتضمن طلب التنفيذ حكم التحكيم واتفاقية التحكيم أو صورة مصدقة من هذه الوثائق، بغض النظر عما إذا كان الحكم محليًا أو أجنبيًا. أما بالنسبة للقرارات الدولية، فيتحقق القاضي أساسًا من وجود القرار، ومن أن الاعتراف به لا يُخالف النظام العام الدولي اللبناني بشكل واضح (المادتان 814 و815 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني)، مع وجوب تضييق باب هذا الاستثناء قدر المستطاع.
في التحكيم الدولي، لا يُعدّ الاستئناف سبيلاً متاحاً للطعن، ولا يخضع قرار التحكيم إلا لدعوى الإلغاء.
تُحدّد المادة 819 من قانون أصول المحاكمات المدنية أسباب إبطال قرارات التحكيم في التحكيم الدولي على النحو التالي:
صدر الحكم دون اتفاق تحكيم أو بناءً على اتفاق باطل لانتهاء المدة المحددة لإصداره؛
صدر الحكم عن محكمين غير معينين وفقًا للقانون؛
حكم المحكمين دون الالتزام بالمهمة الموكلة إليهم؛
صدر الحكم دون مراعاة حقوق الدفاع؛
خالف الحكم أحكام النظام العام الدولي.
وبالتالي، يستفيد المستثمرون بالقطاع الخاص في لبنان من حماية عدد من اتفاقيات الاستثمار الدولية، ومن معاهدات أخرى تتضمن أحكامًا استثمارية، وتنص على اللجوء إلى التحكيم في حال نشوب نزاع. وتشمل هذه المعاهدات:
52 معاهدة استثمار ثنائية وقّعها لبنان، 43 منها سارية المفعول؛
اتفاقية التجارة الحرة بين دول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة ولبنان؛
اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لعام ١٩٨١؛
واتفاقية الاستثمار العربية لعام ١٩٨٠.
يشهد المشهد التشريعي في لبنان تطورًا إيجابيًا نحو تشجيع اللجوء إلى التحكيم وآليات تسوية المنازعات البديلة الأخرى. بالإضافة إلى القوانين المذكورة أعلاه، صدر مؤخرًا قانون الوساطة القضائية اللبناني رقم ٨٢ لعام ٢٠١٨، والذي أدخل الوساطة القضائية إلى لبنان لأول مرة.
تعمل السلطات اللبنانية على خلق بيئة صديقة بشكل متزايد للمشاريع والاستثمارات الكبيرة في البلاد, وذلك من خلال ضمان حماية أفضل للمستثمرين والجهات الفاعلة في مجال الأعمال في لبنان وتشجيع اللجوء إلى تسوية النزاعات بطريقة بديلة.
في الآونة الأخيرة، واصل المشرّعون تبنّي نهج أكثر تسامحًا تجاه قابلية النزاعات للتحكيم، ويتعلق تطور جديد بإصدار القانون رقم 48 "تنظيم الشراكات بين القطاعين العام والخاص" (قانون الشراكات بين القطاعين العام والخاص) في 7 سبتمبر 2017. ومن أهمّ مزايا هذا القانون أنه يجيز صراحةً اللجوء إلى التحكيم في النزاعات التي تشمل جهات حكومية. إضافةً إلى ذلك، تُعزّز التطورات التشريعية الأخيرة في لبنان، التي تُنظّم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى استثمارات النفط والغاز، استخدام التحكيم كآلية أساسية لحلّ النزاعات مع الدولة اللبنانية.