الأردن

بفعل العولمة المتسارعة، تتسع رقعة النمو الاقتصادي والتجاري في البلدان العربية يومًا بعد يوم، مما يضاعف الحاجة إلى قوانين تحكيم حديثة تواكب تطلعات الشركات المنخرطة في التجارة الدولية. وقد خطت المملكة الأردنية الهاشمية خطوة سبّاقة بانضمامها إلى اتفاقية نيويورك في 15 نوفمبر 1979، لتؤكد التزامها بالعدالة والشفافية في فض النزاعات التجارية.
يخضع التحكيم الدولي في المملكة الأردنية الهاشمية للقانون رقم 31 لسنة 2001. وقد تم تعديل قانون التحكيم الأردني عدة مرات منذ دخوله حيز النفاذ في 16 يوليو 2001؛ إلى أن تم تقديم التعديلات الأخيرة في عام 2018. وقد جلب قانون التحكيم المعدّل مزيدًا من الوضوح مقارنة بالإصدارات السابقة من قانون التحكيم.
يسري قانون التحكيم الأردني على كل تحكيم اتفاقي, يكون مقره في المملكة وعلى كل تحكيم يتم الاتفاق على اخضاعه لهذا القانون ، بغض النظر عن طبيعة العلاقة القانونية التي أدت إلى نزاع (المادة 3 (أ) من قانون التحكيم الأردني).
وفقاً للمادة 9 (ب) من قانون التحكيم الأردني، "لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح". وبالتالي، تنص المادة 10 (د) على أنه "على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، ومع عدم المس بالأوضاع القانونية السابقة لسريان هذا القانون المعدل، يُعتبر باطلاً أي اتفاق سابق على التحكيم في المسائل التالية [فيما يتعلق بالعقود]:
عقود المستهلكين المعدة على نماذج مطبوعة مسبقًا
عقود العمل
وفقاً للمادة (13) من قانون التحكيم الأردني، "لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف الطلب من قاضي الأمور المستعجلة، سواء قبل البدء في اجراءات التحكيم او أثناء سيرها ، اتخاذ أي إجراء وقتي او تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات المدنية، ويجوز الرجوع عن تلك الاجراءات بالطريقة ذاتها ."
تبت المحكمة المختصة في طلب ردّ المحكمين. ووفقًا للمادة 18 (أ), "يقدم طلب الرد كتابة الى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد، مع بيناته في الطلب، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هيئة التحكيم أو بالظروف المبررة للرد، فاذا لم يتنّح المحكم المطلوب رده فعليه أن يقدم جوابه على طلب الرد والبينات خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب، وعلى هيئة التحكيم في هذه الحالة بناء على طلب طالب الرد إحالة الطلب مع جواب المحكم المطلوب رده إن وجد الى المحكمة المختصة للبت فيه.
(ب) ينظر طلب الرد من المحكمة المختصة تدقيقه ما لم تقرر خلاف ذلك وعليها أن تفصل فيه خلال ثلاثين يوما من تاريخ وروده لقلمها ويكون قرارها غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.
وأكد القانون المعدل أن اللغة العربية هي اللغة الافتراضية المعمول بها في إجراءات التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك وفقاً للمادة 28 (أ) "يجري التحكيم باللغة العربية".
كما أن لمحكمة التمييز سلطة إبطال حكم التحكيم عملاً بالمادة 49 (ب) "إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه او استند الحكم على اجراءات تحكيم باطلة اثرت فيه. لذا تقضي محكمة التمييز التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة او إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها.
كما أكد القانون المعدل على قبول الإفادات المشفوعة بالقسم كدليل في إجراءات التحكيم. إلا أن القانون المعدل نصّ على أنه في حال رغبة الخصم في استجواب الشاهد، ولم يحضر الأخير أمام هيئة التحكيم، يجب رفض الإفادة المشفوعة بالقسم بأكملها كدليل.
أما فيما يتعلق بتعيين الخبراء، فقد وضع القانون المعدل شروطًا جديدة لقبول تقارير الخبراء في حال تقديم أي من أطراف التحكيم لهذه التقارير مع مستنداتها. وأتاح القانون المعدل خيار تعيين شخص اعتباري (شركة) كخبير، بدلًا من فرد واحد كما كان الحال في النسخة السابقة من التشريع. ولكي يكون تقرير الخبير مقبولًا بموجب القانون المعدل، يجب على الطرف المقدم للتقرير الإفصاح عن كتاب تكليف هذا الخبير، ونطاق عمل ومهمته والأتعاب المدفوعة له. (المادة 32 من قانون التحكيم الأردني). ويُلزم القانون المعدل باستدعاء الخبير للاستجواب بناءً على طلب أحد الأطراف أو إذا قررت هيئة التحكيم ذلك.
في الوقت نفسه، ينص القانون المعدل على أن إلغاء قرار التحكيم لا يؤثر على اتفاق التحكيم إلا إذا كان هذا الاتفاق باطلا في حد ذاته. وهذا يعني أنه في حال إلغاء قرار التحكيم، يمكن للأطراف المتنازعة اللجوء مجددًا إلى التحكيم كوسيلة لتسوية النزاعات.
ويوفر قانون التحكيم الأردني بتعديلاته الأخيرة وسيلة أكثر حداثة وأمانا لحل النزاعات من خلال التحكيم بما يتماشى مع معظم ممارسات التحكيم المعترف بها دوليا ومواءمة قواعد التحكيم مع مبادئ التجارة الدولية لتلبية متطلبات التجار.
فمن خلال تفسير نصوص قانون التحكيم الأردني بتعديلاته الأخيرة، يتبين أن القضاء يتدخل بشكل كبير في إجراءات التحكيم، لكن تتزايد الحاجة إلى تحرير التشريعات في عقود التجارة الدولية. فمع تزايد حجم التجارة، تزداد الحاجة إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات، لما يوفره من مزايا عديدة، لا سيما في سياق المعاملات التجارية الكبرى. ولذلك، تسعى العديد من الدول إلى تحسين وتحديث تشريعاتها المتعلقة بالتحكيم.
لقد لجأ التجار بكثرة إلى التحكيم، مدفوعين برغبتهم في اختيار الطريق الحرّ الذي يليق بروح التجارة الدولية ويجعلها أكثر سلاسة وفاعلية. أما الأردن، فهو يسير بخطى واثقة نحو تحرير تشريعاته ليتماشى مع هذا الأفق الرحب.