مصر
كانت جمهورية مصر العربية من أوائل الدول التي انضمت إلى اتفاقية نيويورك في 9 مارس 1959 دون أي تحفظات.
وفي عام 1979، شهد العالم العربي ولادة أول مركز إقليمي للتحكيم: مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)، الذي تبعته في تسعينيات القرن الماضي مجموعة كبيرة من المراكز الإقليمية الأخرى، والتي تدير اليوم مئات القضايا. ويختص المركز بإدارة إجراءات التحكيم سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
شهد التحكيم الدولي في جمهورية مصر العربية نموًا متواصلًا خلال السنوات الأخيرة؛ حيث تُعد مصر طرفًا في 115 اتفاقية ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار، كما أنها عضوًا في المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.
وقد دخل قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية حيّز النفاذ عام 1994، وهو مُطبق على كلًا من التحكيم الدولي والمحلي.
وفقًا للمادة (1) من القانون المذكور أعلاه، فإنه "تسري أحكامه على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى في مصر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الإتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى إختصاصه بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة ولا يجوز التفويض في ذلك".
تمسّك المشرّع بموقفه القاضي بأن القانون يسري إذا نشأ النزاع عن علاقة قانونية ذات طبيعة اقتصادية، سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية. وفي الوقت ذاته، لا يمتدّ نطاق التحكيم في مصر إلى بعض المسائل المتصلة بالقانون العام (ما هي هذه المسائل؟)
وقد نصّت المادة (52) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 على ما يلي: "تُقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون المطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية".
تنصّ المادة (702) من القانون المدني المصري والمادة (76) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على بنود تُنظم إبرام اتفاقات التحكيم من قِبل الوكيل، بحيث لا يجوز ذلك إلا بموجب تفويض خاص ومحدد وصريح بالكتابة، وإلا فإن شرط التحكيم لا يسري أثره بالنسبة للمُوكِل.
وبوجه عام، فإن قانون التحكيم المصري يستمد أساسه من قانون الأونسيترال النموذجي. وفيما يتعلق بالتدابير الوقتية، يتعيّن على الأطراف أن يمنحوا هيئة التحكيم صراحةً سلطة إصدارها. كما يضع قانون التحكيم قيوداً على الحالات التي يمكن فيها رفض تنفيذ حكم التحكيم. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة (58) على أن تنفيذ حكم التحكيم لا يُمنح إلا بعد التحقق من الأمور التالية:
ألّا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع ؛
ألّا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية؛
أن يكون قد تم تبليغه تبليغاً صحيحاً إلى الطرف المحكوم عليه.
وإضافةً إلى ذلك، وبوصفه تطوراً تشريعياً حديثاً، تجدر الإشارة إلى القانون رقم 10 لسنة 2009 بشأن تنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، الذي نصّت مادته العاشرة على إنشاء المركز المصري للتحكيم وتسوية المنازعات المالية غير المصرفية (ECAS) بقرار يصدر من رئيس الجمهورية. ويجوز للأطراف اللجوء إلى هذا المركز إذا اتفقوا ابتداءً (أو لاحقاً) على تسوية النزاع عن طريق التحكيم. وقد صدر القرار الجمهوري رقم 335 لسنة 2019 بإنشاء هذا المركز.
تنص المادة (3) من النظام الأساسي للمركز المصري للتحكيم وتسوية المنازعات المالية غير المصرفية (الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2597 بتاريخ 10 ديسمبر 2020) على ما يلي:
يختص المركز بالتحكيم والتســوية في المنازعات التي تنشــــأ بســــبب تطبيق أحكام القوانين الخاصــة بالمعاملات المالية غير المصـــرفية، وعلى الأخص التي تنشـــأ فيما بين الشـــركاء، أو المســـاهمين، أو الأعضـاء في الشـركات والجهات العاملة في مجال الأسـواق المالية غير المصـرفية، سـواء فيما بينهم، أو بينهم وبين تلك الشـركات والجهات، وكذلك منازعات المتعاملين أو المسـتفيدين من الأنشـطة المالية غير المصرفية مع تلك الشركات والجهات بمناسبة مباشرتها لنشاطها.
كما أن المركز ممول من الأموال العامة، إذ تنص الفقرة (1) من المادة (18) من النظام الأساسي للمركز على أن:
"تتكون الموارد المالية للمركز من الأموال والأصول التي تخصصها له الدولة أو الجهة المختصة."
وعليه، يمكن اعتبار مصر ولاية قضائية صديقة للتحكيم، إذ تعمل الدولة على تحديث الإطار التشريعي بشكل مستمر، بما يساهم بلا شك في توفير بيئة قانونية مستقرة وقابلة للتنبؤ لحل المنازعات المالية. أما بالنسبة للعقود الإدارية، فيتعيّن الحصول مسبقاً على توقيع الوزير المختص للتأكيد على موافقته على اتفاق التحكيم في العقود المبرمة مع الأشخاص الاعتباريين العامين (بما في ذلك الوزارات والهيئات الحكومية) والمتعلقة بالمرافق والمشروعات العامة.
كما تجدر الإشارة إلى أن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA) يفرض رسوماً معتدلة لتقديم طلب التحكيم، الأمر الذي يضعه في موقع تنافسي، حيث تبلغ الرسوم الثابتة للتسجيل 500 دولار أمريكي، يدفعها المدعي عند تقديم إشعار التحكيم، وكذلك المدعى عليه عند تقديم دعوى مضادة.

